تكشف الدراسات المتواترة في مجال التربية أن الطفل في فترة ما قبل الدراسة يكون في وضع أفضل لتعلم مهارات السلوك المنضبط المقبول, وتركز نفس الدراسات من أن الضغط على الطفل يولد عنده الرغبة في المقاومة، الأمر الذي يؤدي إلى عدم انضباطه وإحباط الوالدين، وأوضحت أن هناك بعض الأساليب التي تساعد في ضبط سلوك الطفل في المنزل, والأماكن العامة بكل سهولة ويسر دون الحاجة إلى مواجهة معه أو صراخ, أو سب, أو ضرب, مما يكون له مردود إيجابي للأم والطفل معاً حيث يشعر الطفل ـ منضبط السلوك ـ بالاحترام والقدرة لأنه استطاع أن يكتسب المهارة لتهذيب نفسه، إضافة إلى إحساسه بالفخر للالتزام بالطاعة دون إكراه.
مما تقدم يتضح أن أهم الخطوات التي توصل إلى هذه النتيجة هي:·
إيجابية الأم وتشجيعها للطفل عندما يقوم بتصرف سليم بنفسه؛ وهذا سيجعل الطفل يحس بأنه قد أنجز عملاً صحيحاً, وسيتجاوب برحابة صدر مع الطلب الموجه إليه. ·
تدريب الطفل على الخطوات المرتبطة بالروتين اليومي مثل بعض المهام الصغيرة التي تتناسب مع عمره، فمثلاً الخروج للمدرسة يرتبط به ارتداء الملابس والحذاء وتحضير الحقيبة.
· طريقة الطلب وذلك بالاقتراب منه بحنان وصوت هادئ هذا سيضمن التزام الطفل لا محالة.
· حل المشاكل بين الطفل وإخوانه بحيث إذا تعارك الطفل مع إخوانه تعمل آلية مهمة على فض النزاع وهي أنه مهما كانت درجة الشجار فيجب الابتعاد كلية عن الصراخ ويكفي أن تذهب الأم إلى أطفالها المتشاجرين وتحاول أن تحل المسألة.
فضبط النفس والحضور الهادئ كفيل بأن يحل المشكلة, كما أن التفكير الدقيق سوف يساعد طفلك على الإقتداء بك في كيفية التصرف و التعامل خلال الظروف الصعبة.
كل هذه بدائل للعقاب البدني و المعاملة القاسية خاصة في هذه المرحلة لأنها تسبب العقد لدى الطفل, والعزلة, والانطواء, وتظهر آثارها غالباً في الكبر، كما تسبب الإحباط وعدم الثقة بالنفس إلى غير ذلك من الآثار السلبية؛ فيجب دائماً أن تكون الحلول عادلة وحاسمة في نفس الوقت، أي يجب ألا يكون العقاب قاسياً وأن يكون مناسباً لتعديل سلوك الطفل.
اما عن السلوك العدوانى للطفل والامر الذى يجعل الام والاب يفقدون صوابهم احيانا فسوف نتكلم عنه وهن طريقة علاجه باذن الله :
السلوك العدواني لدى الأطفال
الأصل في الأطفال الفطرة والبراءة ولكن استعداد الإنسان لقبول الطباع السيئة قد يجعل من السلوك العدواني في أسوء حالاته قنبلة موقوتة إذا حان أوان انفجارها تضررت الأسر الآمنة وكم من حدث في سجون الأحداث تحدثنا معه واستمعنا له وله قصة تُبكى العيون وتُدمي القلوب.
السلوك العدواني هو هجوم ليس له مبرر وفيه ضرر للنفس أو الناس أو الممتلكات والبيئة والطبيعة وقد يكون العدوان لفظياً أو عملياً.
أسباب ظهور السلوك العدواني عند الطفل
1-الإحباط والحرمان والقهر الذي يعيشه.
2-تقليد الآخرين والإقتداء بسلوكهم العدواني الذي يشاهده (الأب-الإعلام-المُدرس).
3-الصورة السلبية للأبوين في نظرتهم لسلوك الطفل.
4-الأفكار الخاطئة التي تصل لذهن الطفل عندما يفهم أن الطفل القوي الشجاع هو الذي يصرع الآخرين ويأخذ حقوقه بيده لا بالحسنى.
5-عزل الطفل في مراحله الأولى عن الاحتكاك الاجتماعي وقلَّة تشجيعه على مُخالطة النَّاس.
وسائل معالجة السلوك العدواني لدى الأطفال
1-تصويب المفاهيم الخاطئة في ذهن الطفل ونفي العلاقة المزعومة بين قوة الشخصية واستخدام العنف في حل مشاكل الحياة.
2-إقناع الطفل بأن المسلم القوي لا يغضب لأتفه الأسباب ولا يستخدم العنف في تعامله مع الآخرين. المسلم هو الذي يسلم الناس من أذاه.
3-الحرص على تشجيع الطفل على مصاحبة الأطفال الجيدين ممن لا يحبون أن يمدوا يد الإساءة للآخرين.
4-استخدام العقاب من خلال تصويب الخطأ فإذا تلفظ الطفل بعبارات غير مهذبة في تعامله مع الآخرين وهو غاضب فيُطلب منه أن يعتذر بعبارات مؤدبة وإذا قام الطفل بضرب آخر فعليه مثلاً أن يقدم إليه هدية أو أن يعتذر إليه أمام زملائه إذا وقعت المشاجرة أمامهم.
5-إيجاد القدوة الواقعية في محيط الأسرة والمجتمع مع رواية القصص والمواقف النبيلة الدالة على كظم الغيظ وضبط النفس كي يتأسى بها الطفل.
6-اختيار البرامج التلفزيونية المناسبة لعمر الطفل وقيم المجتمع، وانتقاء الألعاب ذات الأغراض التعليمية أثناء شراء الهدايا واللعب.
7-إرشاد الطفل إلى بعض الطرق لحل الأزمات ومواجهة عدوان الآخرين بحكمة.
8-وضع مبادئ عامة في الأسرة مثل أنه لا يُسمح أبداً لأي طفل أن يلعب وأن يمزح مع أخيه بأي مادة حادة أو خطرة.
9-تعزيز المبادرات الإيجابية للطفل المشاغب إذا بادر إلى سلوك إيجابي يدل على احترامه للآخرين من خلال المدح والثناء.
10-فتح باب الحوار مع الأطفال في البيت والمدرسة كي يتحدثوا عن معاناتهم مع الأطفال الذين يعاملونهم بقسوة وما سبل العلاج وما المبادئ التي يجب أن توضع ويعمل على تنفيذها الجميع.
11-أهمية تبادل الخبرات الناجحة والتجارب العملية في تقليل سلوك العدواني بين المربين والأقارب.
12-في حال عجز المدرسة والأسرة عن مواجهة السلوك العدواني واستمرار الطفل في إلحاق الضرر بالآخرين أو بنفسه أو بما يحيط به فإنه يتوجب استشارة مُرشد نفسي.
13-تدريس مقرر مهارات حياتية.
14- توثيق علاقة البيت بالمدرسة لمتابعة السلوك الاجتماعي للطفل.
التصحيح الذاتي في تقويم سلوك الطفل
العقاب من خلال تقويم أو تعديل سلوك الأطفال ذاتياً جزء هام من المفاهيم المُرتبطة بوسائل التربية وخاصة في البيت والمدرسة. ليس العيب في أن يخطئ الطفل في تصرفاته فهذا أمر طبيعي ولكن المهم أن يتعلم من أخطائه، ويستفيد من تجاربه.
تتفاوت طرائق علاج الأخطاء السلوكية عند الطفل من رفق في الترغيب إلى شدة في الترهيب وذلك بحسب شخصية الطفل وطبيعة الخطأ السلوكي ويظل الأصل التربوي في قول النبي الكريم e لمن يستلم زمام الأمور ويتصدر للتعليم (عليك بالرفق، إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه). قال تبارك وتعالى لنبيه: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)" (سورة آل عمران).
بدأ علماء النفس حديثاً في ميدان تربية الطفل يؤكدون على أسلوب مؤثر من أساليب العقاب الإيجابي. هذا المنهج هو التصحيح الذاتي للأخطاء حيث يكون العقاب أن يقوم الطفل بنفسه بتعديل أو تقويم الاعوجاج الذي حصل منه ويُطلق على هذا المفهوم في ميدان علم النفس (Over correction) أي تصويب الخطأ Kazdin ( 1994).
التصحيح الذاتي عقاب يستخدم عند حدوث سلوكيات غير مقبولة عند الطفلa penalty for having displayed an inappropriate action
أهم مراحل التصويب الذاتي
1. إعادة الأمور إلى نصابها Restitution. فالطالب المُعاقب يجب أن يعيد الأمور إلى حالتها السابقة التي كانت عليه قبل وقوع الخطأ فيرفع الضرر.
2. إعادة الفعل بصورة ايجابية Positive practice وهذه مرحلة ممارسة الصواب.
الاستشارات النفسية تستخدم التصحيح الذاتي في المدارس لأنها يمكن أن تعالج مشاكل كثيرة[1]. أول من استخدم مصطلح التصحيح الذاتي ريتشارد فوكس وناثان أزرين (Foxx & Azrin) كهدف تعليمي وليس مجرد تقليل السلوك الغير مقبول ( الخطيب، 1995، ص 198).
العقاب من خلال تصويب الخطأ يُطالب الطفل بإعادة كتابة الكلمة التي لم يكتبها بالشكل الصحيح مع شيء من المساعدة والتوضيح. مثال آخر يتمثل بأن يطلب المعلم من التلميذ أن يعتذر من صديقه ويستقبله بعبارات مهذبة في حال تلفظه بعبارات نابية. وكذلك تطلب الأم من ولدها أو ابنتها تنظيف الطاولة إذا قام أحدهما بتوسيخها. وهكذا يكون العقاب من جنس العمل وهي قاعدة هامة أشار إليها العلماء ويحتاج المربي إلى تطبيقها في ميدان التربية بحكمة.
في كتابه تعديل السلوك الإنساني يذكر د. جمال الخطيب أن التصحيح الزائد الذي أسميناه التصحيح الذاتي "يشمل على توبيخ الفرد بعد قيامه بالسلوك غير المقبول مباشرة، وتذكيره بما هو مقبول وما هو غير مقبول ومن ثم يطلب منه إزالة الأضرار التي نتجت عن سلوكه غير المقبول أو تأدية سلوكيات نقيضه للسلوك غير المقبول الذي يراد تقليله بشكل متكرر لفترة زمنية محددة" (ص 198).
تؤكد الدراسات النفسية على أن هذه الطريقة من أفضل طرق العقاب لأنها لا تقلِّل من السلوك السلبي فحسب بل أيضا تساهم في تعزيز السلوك الإيجابي فمن خلال تصويب الخطأ كأسلوب تربوي في العقاب يتعلم الطفل المحافظة على النظافة عملياًّ وفي نفس اللحظة يُصحِّح سلوكه السلبي. أي أن هذه الوسيلة تعزز السلوك الإيجابي وتعالج التصرف السلبي في آن واحد.
استخدم التصويب الذاتي في مستشفى من المُستشفيات الخاصة بالتخلف العقلي لأن بعض المرضى كانوا يسرقون من بعضهم البعض المشروبات ووجبات الطعام الخفيفة أثناء الشراء من بقالة المستشفى، فأصدر المدير قراراً يقضي بأن كل من يُشاهد متلبساً بسرقة المواد الغذائية فعليه أن يردَّ المواد المسروقة، ولكي يصوِّب السارق خطأه فعليه أن يعتذر ثم يشتري من ماله بعض الطعام ويُعطيه لمن سرق منه وبهذا العقاب الذي كان من جنس العمل قلَّ عدد السارقين خلال أيام قليلة.
العقاب البدني وفق ضوابط تربوية، والتأنيب اللفظي، والحبس لمدة زمنية محددة في غرفة آمنة، وحرمان الطفل من أشياء معينة كلها وسائل للعقاب ولكن لها سلبيات كبيرة في حين أن تصويب الخطأ كلون من ألوان العقاب من أكثر الوسائل التربوية تأثيراً كما تُؤكد الدراسات الميدانية في علم النفس. هذا الأمر لا يعني أبداً أن تصويب الأخطاء كأسلوب تربوي يصلح لكل موقف. على المربي دائماً أن يُقدِّر العقوبة بقدرها ويبحث عن الوسيلة التربوية الرادعة والنافعة حسب شخصية الطفل الذي يتعامل معه، وظروفه النفسية، والاجتماعية، وطبيعة المشكلة.
إن أسلوب التصويب الذاتي للأخطاء في ميدان العقاب له تأثير عظيم في تنمية وتهذيب سلوك الطفل لأنه يقوم على أساس الممارسة والعمل على تغيير التصرفات السلبية وتنمية الاتجاهات الإيجابية. لا شك أن النصائح العامة والمواعظ الهامة كثيراً ما تتبعثر مع رياح النسيان في حين أن التجارب الذاتية، والخبرات الحية، عادة تظل أكثر رسوخاً، وأعمق تأثيراً، في نفس وذهن الإنسان.
من هنا يمكننا تفسير بعض جوانب العظمة التربوية في سيرة نبينا e الذي استخدم أسلوب تصحيح الخطأ في التربية والتعليم. ذكر الترمذي في سننه أن رجلاً دخل على النبي e ولم يستأذن ولم يُسلِّم فعلَّمه قائلاً: "ارْجِعْ فَقُلْ السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟" (كتاب الاستئذان والآداب).
مثالٌ نبوي آخر يُبين فن تحويل الفشل إلى تفوق من خلال التصويب الذاتي للخطأ نجده في قصة أبي محذورة. قال أبو محذورة رضي الله عنه: (خرجت في نفر فكنا في بعض طريق حنين فلقينا رسول الله e في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله e بالصلاة عند رسول الله e فسمعنا صوت المؤذن ونحن متكئون فصرخنا نحكيه [نقلده] ونستهزئ به فسمع رسول الله e الصوت فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه فقال رسول الله e أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم كلهم إلي، وصدقوا، فأرسل كلهم وحبسني [تركني عنده]. فقال: قم فأذِّن. فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله e ولا مما أمرني به [الأذان]. فقمت بين يدي رسول الله e فألقى علي رسول الله e التأذين هو نفسه [أي علمه كيف ينادي للصلاة] فقال: الله أكبر الله أكبر … لا إله إلا الله. ثم دعاني حيث قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرّها على وجهه ومن على كبده ثم بلغت يده سرة أبي محذورة ثم قال رسول الله e بارك الله فيك وبارك عليك. فقلت: يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة فقال قد أمرتك فذهب كل شيء كان لرسول الله e من كراهية وعاد كله محبه للنبي e.
تبين القصة السابقة أهمية تعزيز السلوك الإيجابي من خلال الثواب وأن التربية بالمثوبة تسبق التربية بالعقوبة. ومن فوائد الحديث السابق توجيه الأنظار إلى أهمية الدعاء في تغير السلوك فإن الأسباب المادية مهما كانت قوتها تظل ضعيفة واهية من دون مدد السماء والتربية في المقام الأول توفيق من الله سبحانه. قصة أبي محذورة تُبين أن العقاب درجات ومن صنوف العقاب تصويب الخطأ.
التصويب الذاتي يمكن تطبيقه مع الطفل العدواني حيث يمكن أن يُطلب من المُعتدى أن يعتذر من المعتدى عليه وأن يقوم بتعويض ما أتلفه وإذا كان العدوان لفظياً فالمطلوب أن يكون الاعتذار فيه ردّ اعتبار. كثير من أعمال الشغب والفوضى والسلوكيات الغير مرغوب فيها في المنزل والمدرسة يمكن مواجهتها بالتصويب الذاتي من دون أن نجرح مشاعر الطفل مع التأكيد على أن يفهم الطفل أن الغرض الحقيقي من التصويب الذاتي هو التربية والتعليم لا الانتقام والعقاب. تظل بعض الحالات التي يتعذر فيها استخدام طريقة التصحيح الذاتي كأن يكون الطفل صغيراً ولا يستطيع إزالة قطع الزجاج المتهشم وإذا طلبنا منه تنظيف ما كسره فإنه قد يُصاب بالضرر لقلة خبرته.
المبادئ العامة لتطبيق التصويب الذاتي
1) الهدف من التصويب الذاتي هو تقليل أو إزالة السلوك الغير مقبول من خلال إصلاح ما تم إفساده. كما يهدف التصويب الذاتي إلى تمرين الطالب على الفعل الصحيح.
2) أن يقتنع الشخص المُعاقب أن السلوك الذي صدر منه غير مرغوب وعليه أن يتراجع عنه بعمل إجرائي.
3) أن التصويب من جنس العمل فإذا بعثر الطفل أثاث المنزل فعليه أن يُعيد ترتيبه.
4) أن يكون التصويب محدداً زماناً ومكاناً.
5) أن يكون التصويب مناسباً لعمر الطفل وشخصيته والموقف الذي وقع فيه فلكل مقام مقال.
6) لا نستخدم التصويب في كل الحالات بل هي مبنية على تقدير واجتهاد المربي فهناك أخطاء لا تستدعى الوقوف عندها لأنها عفوية غير مقصودة وهناك حالات قد لا ينفع هذا الأسلوب في علاجه وقد ينفع أسلوب آخر.
7) يجب أن يكون التصويب الذاتي فورياً أي بعد حدوث السلوك الغير مرغوب فيه مباشرة.
8) يجب أن يعلم المخطئ بأن الفعل الخاطئ الذي صدر منه غير مرغوب فيه وأن المربي يكره فعله الخاطئ لا الفاعل نفسه أي أنه كشخص يحبه الجميع.
9) إذا قام المُخطئ بتصويب خطئه فإنه يستحق كلمة ثناء أو تعزيز وثواب. التربية بالمثوبة تسبق التربية بالعقوبة.
10) الرفق في العقاب. قال المناوي لأن بالرفق "تسهل الأمور وبه يتصل بعضها ببعض وبه يجتمع ما تشتت ويأتلف ما تنافر وتبدد ويرجع إلى المأوى ما شذ وهو مؤلف للجماعات جامع للطاعات، وينبغي للعالم إذا رأى من يخل بواجب أو يفعل محرماً أن يترفق في إرشاده ويتلطف به، روي عن أبي أمامة أن شاباً أتى المصطفى e فقال له: ائذن لي في الزنا فصاح الناس به فقال: ادن مني فدن فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا. قال: فالناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لابنتك؟ قال: لا قال: فالناس لا يحبونه لبناتهم، حتى ذكر الزوجة والعمة والخالة ثم دعا له، فلم يكن بعد شيء أبغض إليه من الزنا" (باختصار).
11) التدرج في معالجة الأخطاء
أطفالنا والتربية النفسية
للكاتب حسام أبو جبارة
تؤثر الخلافات بين الأب والأم على النمو النفسي السليم للطفل، ولذلك على الوالدين أن يلتزما بقواعد سلوكية تساعد الطفل على أن ينشأ في توازن نفسي، ومن هذه القواعد:
أولاً: الاتفاق على نهج تربوي موحد بين الوالدين
* إن نمو الأولاد نمواً انفعالياً سليماً وتناغم تكيفهم الاجتماعي يتقرر ولحد بعيد بدرجة اتفاق الوالدين وتوحد أهدافهما في تدبير شؤون أطفالهم. على الوالدين دوماً إعادة تقويم ما يجب أن يتصرفا به حيال سلوك الطفل، ويزيدا من اتصالاتهما ببعضهما خاصة في بعض المواقف السلوكية الحساسة، فالطفل يحتاج إلى قناعة بوجود انسجام وتوافق بين أبويه.
* شعور الطفل بالحب والاهتمام يسهل عملية الاتصال والأخذ بالنصائح التي يسديها الوالدان إليه.
مثال على ذلك الاضطراب الانفعالي الذي يصيب الولد من جراء تضارب مواقف الوالدين من السلوك الذي يبديه:
زكريا عمره أربعة أعوام يعمد إلى استخدام كلمات الرضيع الصغير كلما رغب في شد انتباه والديه، وبخاصة أمه إلى إحدى حاجاته فإذا كان عطشاً فإنه يشير إلى صنبور الماء قائلاً: "أمبو.. أمبو" للدلالة على عطشه.
ترى الأم في هذا السلوك دلالة على الفطنة والذكاء لذا تلجأ إلى إثابته على ذلك، أي تلبي حاجته فتجلب له الماء من ذاك الصنبور.
أما والده فيرى أن الألفاظ التي يستعملها هذا الولد كريهة، فيعمد إلى توبيخه على هذا اللفظ الذي لا يتناسب مع عمره. وهكذا أصبح الطفل واقعاً بين جذب وتنفير، بين الأم الراضية على سلوكه والأب الكاره له ومع مضي الزمن أخذت تظهر على الطفل علامات الاضطراب الانفعالي وعدم الاستقرار على صورة سهولة الإثارة والانفعال والبكاء، وأصبح يتجنب والده ويتخوف منه.
ثانياً: أهمية الاتصال الواضح بين الأبوين والولد
* على الوالدين رسم خطة موحدة لما يرغبان أن يكون عليه سلوك الطفل وتصرفاته.
شجع طفلك بقدر الإمكان للإسهام معك عندما تضع قواعد السلوك الخاصة به أو حين تعديلها، فمن خلال هذه المشاركة يحس الطفل أن عليه أن يحترم ما تم الاتفاق عليه؛ لأنه أسهم في صنع القرار.
على الأبوين عدم وصف الطفل بـ(الطفل السيئ) عندما يخرج عن هذه القواعد ويتحداها، فسلوكه السيئ هو الذي توجه إليه التهمة وليس الطفل، كي لا يحس أنه مرفوض لشخصه مما يؤثر على تكامل نمو شخصيته مستقبلاً وتكيفه الاجتماعي.
مثال على المشاركة في وضع قواعد السلوك: هشام ومحمد طفلان توأمان يحبان أن يتصارعا دوماً في المنزل، وهذه المصارعة كانت مقبولة من قبل الوالدين عندما كانا أصغر سناً (أي: في السنتين من العمر) أما في عمر أربعة أعوام فإن هذا اللعب أضحى مزعجاً بالنسبة للوالدين.
جلس الوالدان مع الطفلين وأخذا يشرحان لهما أن سنهما الآن يمكنهما من أن يفهما القول، ولابد من وجود قواعد سلوكية جديدة تنظم تصرفاتهما وعلاقاتهما ببعضهما.
بادر الولدين بالسؤال: هل يمكننا التصارع في غرفة الجلوس بدلاً من غرفة النوم؟ هنا وافق الأبوان على النظام التالي: المصارعة ممنوعة في أي مكان من المنزل عدا غرفة الجلوس.
* عندما يسن النظام المتفق عليه لابد من تكرار ذكره والتذكير به، بل والطلب من الأطفال أو الطفل بتكراره بصوت مسموع.
كيف تعطى الأوامر الفعالة؟ "
أحمد، أرجوك.. اجمع لعبك الملقاة على الأرض وارفعها إلى مكانها".. عندما تخاطب ابنك بهده اللهجة فمعنى ذلك أنها طلب.
أما عندما تقول له: "أحمد، توقف عن رمي الطعام أو تعال إلى هنا وعلق ملابسك التي رميتها على الأرض" فإنك تعطيه أمراً ولا تطلب طلباً.
* يتعين على جميع الآباء إعطاء أوامر أو تعليمات حازمة وواضحة لأطفالهم، وبخاصة الصعبين منهم إزاء سلوكيات فوضوية أو منافية للسلوك الحسن، وليس استجداء الأولاد والتوسل إليهم للكف عنها.
* إذا قررت الأم أن تطبق عقوبة الحجز في غرفة من غرف المنزل لمدة معينة (وهذه عقوبة فعالة في التأديب وتهذيب السلوك) عليها أن تأمر الولد أو البنت بتنفيذ العقوبة فورا وبلا تلكؤ أو تردد. الأمر الذي نعنيه ليس معناه أن تكون عسكرياً تقود أسرتك كما يقود القائد أفراد وحدته العسكرية، وإنما أن تكون حازماً في أسلوبك.
متى تعطى الأوامر للطفل؟
تعطى الأوامر للطفل في الحالتين التاليتين:
1- عندما ترغب أن يكف الطفل عن الاستمرار في سلوك غير مرغوب، وتشعر أنه قد يعصيك إذا ما التمست منه أن يتخلى عنه.
2- إذا وجدت أن على طفلك إظهار سلوك خاص، وتعتقد أنه سيعصيك لو التمست منه هذا إظهار هذا السلوك.
كيف تعطى الأوامر للطفل؟
لنفترض أنك دخلت غرفة الجلوس فوجدت أحمد، ابنك الصعب القيادة، يقفز على مقاعد الجلوس القماشية قفزاً مؤذياً للفراش الذي يغلف هذه المقاعد، وقررت إجبار الولد على الكف عن هذا اللعب التخريبي.
هنا تعطي تعليماتك بالصورة التالية:
1- قطب وجهك واجعل العبوس يعتلي أمارات الوجه.
2- سدد إليه نظرات حادة تعبر عن الغضب والاستياء.
3- ثبت نظرك في عينيه وناده باسمه.
4- أعطه أمراً حازماً صارماً بصوت قاس تقول فيه: "أحمد.. أنت تقفز على المقاعد، وهذا خرق للنظام السائد في البيت.. كف عن هذا السلوك فوراً ولا تقل كلمة واحدة".
5- يجب أن يكون الأمر واضحاً وغير غامض.
مثال: إذا أمرت طفلك بالصيغة التالية: "سميرة تعالي إلى هنا وضعي هذه الألعاب على الرف" فإنها بهذا الأمر الواضح لا عذر لها بالتذرع بأي شيء يمنعها من التنفيذ.
أما لو قلت لها: "لا تتركي الألعاب ملقاة هكذا" فإنها ستتصرف وفق ما يحلو لها عكس مرادك ورغبتك؛ لأن الأمر كان غير واضح.
6- لا تطرح سؤالاً ولا تعط تعليقاً غير مباشر عندما تأمر ابنك أو ابنتك، فلا تقل له: "ليس من المستحسن القفز على المقاعد"، ولا أيضاً "لماذا تقفز على المقاعد؟" لأنه سيرد عليك، وبذلك تعطي لطفلك الفرصة لاختلاق التبريرات، فالقول الحاسم هو أن تأمر طفلك بالكف عن القفز دون إعطاء أي تبرير أو تفسير.
7- إذا تجاهل الطفل أمرك وتمادى في سلوكه المخرب ليعرف إلى أي مدى أنت مصر على تنفيذ أمرك هنا لا يجب عليك اللجوء إلى الضرب أو التهديد لتأكيد إصرارك على أمرك، فمثل رد الفعل هذا قد يعقد الموقف ويزيد عناد الولد وتحديه لك. الحل بسيط نسبياً: ما عليك إلا أن تلجأ إلى حجزه في مكان ما من البيت لمدة معينة.
ثالثاً: الأطفال يحتاجون إلى الانضباط والحب معاً
الانضباط يعني تعليم الطفل السيطرة على ذاته والسلوك الحسن المقبول وطفلك يتعلم احترام ذاته والسيطرة عليها من خلال تلقي الحب والانضباط من جانبك.
لماذا لا يتمكن بعض الآباء من فرض الانضباط على أولادهم؟
يجب أن يكون هناك الوعي الكافي لدى الآباء في الأخذ بالانضباط لتهذيب سلوك أطفالهم وإزالة مقاومتهم حيال ذلك، وهذا يتحقق إذا باشروا برغبة تنبع من داخلهم في تبديل سلوكهم.
يمكن إيجاز الأسباب المتعددة التي تمنع الآباء من تبديل سلوكهم بالآتي:1-
- الأم الفاقدة الأمل (اليائسة): تشعر هذه الأم أنها عاجزة عن تبديل ذاتها، وتتصرف دائماً تصرفاً سيئاً متخبطة في مزاجها وسلوكها.
مثال: في اليوم الأخير من المدرسة توقفت الأم للحديث عن ولدها أحمد مع مدرسه. هذه الأم تشكو من سوء سلوك ولدها أينما سنحت لها الفرصة لكل من يستمع لها إلا أنها لم تحاول قط يوماً ضبط سلوك ابنها الصغير، وعندما كانت تتحدث مع المدرس كان ابنها يلعب في برميل النفايات المفتوح.. قالت الأم: أنا عاجزة عن القيام بأي إجراء تجاه سلوك ابني.. إنه لا يتصرف أبداً بما يفترض أن يفعل. وبينما كانت مستغرقة بالحديث مع المعلم شاهد الاثنان كيف أن أحمد يدخل إلى داخل برميل النفايات ويغوص فيه ثم يخرج. توجه المعلم نحو أمه قائلا لها: أترين كيف يفعل ابنك؟! فأجابت الأم: نعم إنه اعتاد أن يتصرف على هذه الصورة، والبارحة قفز إلى الوحل وتمرغ فيه.
الخطأ هنا: أن الأم لم تحاول ولا مرة واحدة منعه من الدخول في النفايات والعبث بها، ولم تسع إلى أن تأمره بالكف عن أفعاله السلوكية السيئة حيث كانت سلبية، متفرجة فقط.
2- الأب الذي لا يتصدى ولا يؤكد ذاته: مثل هذا الأب لا يمتلك الجرأة ولا المقدرة على التصدي لولده. إنه لا يتوقع من ولده الطاعة والعقلانية، وولده يعرف ذلك، وفي بعض الأحيان يخاف الأب فقدان حب ولده له إن لجأ إلى إجباره على ما يكره. كأن يسمع من ابنه: أنا أكرهك. أنت أب مخيف. أرغب أن يكون لي أب جديد غيرك. مثل هذه الأقوال تخيف الوالد وتمنعه من أن يفعل أي شيء يناهض سلوكه وتأديبه.
3- الأم أو الأب الضعيف الطاقة: ونقصد هنا الوالدين ضعيفي الهمة والحيوية، اللذين لا يملكان القوة للتصدي لولدهما العابث المستهتر المفرط النشاط، وقد يكون سبب ضعف الهمة وفقدان الحيوية مرض الأم والأب بالاكتئاب الذي يجعلهما بعيدين عن أجواء الطفل وحياته.
4- الأم التي تشعر بالإثم: ويتجلى هذا السلوك بالأم التي تذم نفسها وتشعر بالإثم حيال سلوك ابنها الطائش، وتحس أن الخطيئة هي خطيئتها في هذا السلوك وهي المسؤولة عن سوء سلوكه، ومثل هذه المشاعر التي تلوم الذات تمنعها من اتخاذ أي إجراء تأديبي ضد سلوك أطفالها.
5- الأم أو الأب الغضوب: في بعض الأحيان نجد الأم أو الأب ينتابهما الغضب والانفعال في كل مرة يؤدبان طفلهما، وسرعان ما يكتشفان أن ما يطلبانه من طفلهما من هدوء وسلوك مقبول يفتقران هما إليه، لذلك فإن أفضل طريقة لضبط انفعالاتهما في عملية تقويم السلوك وتهذيبه هي أن يُلجأ إلى عقوبة الحجز لمدة زمنية رداً على سلوك طفلهما الطائش.
6- الأم التي تواجه باعتراض يمنعها من تأديب الولد: في بعض الأحيان يعترض الأب على زوجته تأديب ولدها أو العكس، لذلك لابد من تنسيق العملية التربوية باتفاق الأبوين على الأهداف والوسائل المرغوبة الواجب تحقيقها في تربية سلوك الأولاد، ويجب عدم الأخذ بأي رأي أو نصيحة يتقدم بها الغرباء فتمنع من تنفيذ ما سبق واتفق عليه الزوجان.
7- الزوجان المتخاصمان: قد تؤدي المشاكل الزوجية وغيرها من المواقف الحياتية الصعبة إلى إهمال مراقبة سلوك الأولاد نتيجة الإنهاك الذي يعتريهما - مثل هذه الأجواء تحتاج إلى علاج أسري، وهذه المسألة تكون من اختصاص المرشد النفسي الذي يقدم العون للوالدين ويعيد للأسرة جوها التربوي السوي.